Wednesday, June 11, 2008

نظرة فى الإيمان بالغيب

هناك الكثير من الناس لا يؤمنون بالغيب رفضاً للإيمان بالمجهول .. لأنه إقترن لدى الكثيرين بالتواكل و الدروشة و التخلف, و السبب في ذلك هم المتواكلون من جهة و العاملون و العالمون الغير مؤمنين بالغيب من جهة أخرى .. فما يراه الإنسان المحايد أن من آمن بالغيب تخلف و أن من كفر به تقدم (و فى ذلك فتنة لعامة الناس أو من لم يبحث عن الحقيقة و عن بواطن الأمر)ـ

دعونا نرد الكلمة إلى أصلها :
الغيب هو الغير حاضر سواء كان علماً غير حاضراً فهو مجهول أو قوة غير حاضرة فهي ضعف أو شخص غير حاضر فهو غائب أو غيره و يكون الشيئ غير حاضر بمعنى أنه غائب لسبب من إثنين إما عدم وجوده من الأساس (و الذي يحتمل تواجده فى زمان أو مكان أو أى بعد أخر) أو لعدم قدرتنا على إدراك وجوده لضعف بشري فينا (والذى يحتمل إدراكه فى يوم من الأيام مع نمو مدارك أو أساليب الإنسان )ـ

و بالنظر إلى العلم (على سبيل المثال)حيث أن الكثير من العلماء ينكرون الغيب كأساس للبحث العلمي ، حيث أن الإستدلال العلمي يستوجب البناء على حقائق مؤكدة و ملموسة و ليس غيبيات غير مثبتة من وجهة نظرهم ، فيما يسمى بالمنهج التجريبى أو فلسفة (أنا أشك إذن أنا موجود)ـ

لكن بسؤال أى عالم أو متعلم أيهما أكثر نسبة المعلوم من العلم أو نسبة المجهول منه ؟ أظن أن أكثرهم سيجيب بأن المجهول من العلوم أكثر بكثيييييييييير من المعلوم منها أو المثبت فيها ، حيث أن الإنسان لم يكتشف أو يخترع إلا القليل جداً من العلم و ما زال يجهل أضعاف أضعاف ما علمه . و حيث أن المجهول غير معلوم أى غير حاضر أى غائب بطبعه إذن فهو غيب يؤمن العلماء بوجوده و سيطرته و إن أنكروا ذلك بلسانهم. و بالنظر للتاريخ سنجد أن كلما زاد علم الإنسان إتسعت آفاقه و إكتشف أنواع جديدة من العلوم المجهول فيها أكثر من المعلوم ! فمن 1000 سنة كان علم الإنسان قليل جداً و كان ما يعلم الإنسان أنه موجود و غير معلوم كذلك قليل جداً !

و كذلك القوي ستجده (إن كان عاقلاً) مؤمن تماماً بمحدودية قوته أو قدرته فبطل العالم فى رفع الأثقال أو المصارعة مؤمن بضعف قوته مقارنة بالإنسان البدائى أو حتى الغوريللا الحالية. فقد غابت عنه القوة أو لم تكتمل و آمن هو بذلك ، و كلما إتسعت أفاقه آمن بضعفه أكثر فالإنسان الذى لم يرى الفيل و الكائنات الضخمة قد يتهيأ له أنه أقوى و كائن (و ذلك لا يغنى من الحق شيئاً ألا و هو أنه ضعيف و لكنه لا يعرف)ـ

إيمان الإنسان بجهله و علم من سواه رغم عدم معرفته به (سواء فى مكان أخر أو زمان أخر كالمستقبل مثلاً) إيمان بغيب ، و أنه لا يجتمع العلم إلا للعليم
و إيمان الإنسان بضعفه و قوة غيره (سواء فى مكان أخر أو زمان أخر كالماضى السحيق أو نوع أخر) هو فى الحقيقة إيمان بغيب ، و أنه لا تجتمع القوة إلا للقوى

إن إيمان الإنسان بالغيب هو إيمانه بجهله و ضعفه و قلة إدراكه و نقصانه و أنه قد يحتاج لمن يملك (العلم و القوة الإحاطة و الكمال) و من يملك كل هذا هو فى الإسلام (الله رب العالمين) ،

و من يظن فى نفسه أنه يملك كل هذا (فلا حاجة له فى الإيمان بالغيب ) فليس له وصف سوى مغرور أو أحمق ، لأن التحديات كثيرة أبسطها الروح للعلماء و الفيل للأقوياء.

و لذلك كانت الأية "هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب و يقيمون الصلاة و مما رزقناهم ينفقون" وصف للمتقين بأنهم يؤمنون بالغيب
لأن من آمن بالغيب إعترف بضعفه و قصوره و بالتالى إعترف بكمال من سواه (و هو الله سبحانه و تعالى) فكانت النتيجة أنه إتقاه .

يجب على المتواكلين أن يعملوا عقولهم و يبذلوا أقصى طاقاتهم ليحققوا قانون السببية فى الأرض ، و يجب على العلماء أن يتحققوا من إيمانهم بالغيب.

أما عن تأثير الغيب فى الحياة فله مقالة أخرى ذات علاقة بالأنظمة التصادمية و إستقرارها و توجهاتها و التحكم فيها

هذا رأيى و الله أعلم
Ahmad Hossny




No comments: