Friday, December 4, 2009

العروبة و الشرق أوسطية و الإسلام

بعد الفضيحة الأخيرة بين مصر و الجزائر نادى بعض المثقفون والإعلاميون و السياسيون بتحسين العلاقات بين الدولتين بإسم أخوة العروبة و أخوة الدين بعد المشاكل بينهم بسبب مباراة كرة قدم . هل هذا ممكن أو واقعي؟ و هل ستكون أخوة حقيقية أم تمثيلية هزلية أم أنها وهم كبير في خيالنا مبني على أرض هشة لا يقوم عليها بناء و تحتاج الكثير من التثبيت و الترميم ؟

الكل ينادي بالوحدة بين الدول العربية و الدول الإسلامية و الدول الشرق أوسطية في مواجهة الأعداء المشتركة المتمثله في الفقر و الجهل و المرض و الفساد المتغلغل في حكوماتنا و شعوبنا من ناحية و العدو المتمثل في دولة إسرائيل بإعتداءاتها المتكررة و من ورائها أمريكا بالإمداد بالأموال و السلاح و المساندة السياسية في المحافل الدولية و من وراء أمريكا أوروبا بصمتها المستمر أو التجاهل المتعمد لتصرفات إسرائيل أو الإمداد المادي أو السياسي الخفي لها .

العروبة و الشرق أوسطية و الإسلام هي ثلاثة محاور للإتحاد الإقتصادي و السياسي و العسكري و أحياناً نستخدم هذه المصطلحات الثلاثة كمترادفات لنفس المعنى أ و كمحاور و أسباب (مفترضة) للإتحاد بين الدول العربية و الإسلامية و الشرق أوسطية خاصة في أوساط البسطاء من الناس (و الذين يمثلون عامة الشعب) و كذلك في أوساط بعض المثقفين (ثم نتساءل بعد ذلك لماذا لا ينجح الإتحاد بيننا ؟).
و لكن قبل أن نبدأ بنداء الوحدة نراجع كل محور على حده و ننظر إن كان يملك مقومات النجاح كسبب كافي للإتحاد ؟

  1. العروبة هي الإجتماع و الإتفاق المفترض بين الدول العربية سياسياً و إقتصادياً و عسكرياً على أساس اللغة مما يحقق مصلحة هذه الدول المجتمعة.

    إن اللغة العربية هي وسيلة للتعبير عن المعنى ليس أكثر و لا أقل و تتساوى مع أي لغة أخرى تعبر عن نفس المعاني سواء كانت إنجليزية أو صينية . لكن الإتحاد المبني على وسيلة أو أداة هو إتحاد هش و غير منطقي مثل أن تتحد دولتان لمجرد أن كلاهما يملك سلاح غواصات !!! أو أن تتحد الهند و باكستان لأن كلاهما يملك سلاح نووي !! إن تحدثي أنا و زميلي نفس اللغة ليس مبرر كافي لأن نكون شركاء في العمل أو البيزنس .

    و نظراً للفشل المستمر للدول العربية بدأت بعض الدول في العودة للغات السابقة كالأمازيغية أو أخذ لغات الغرب كالفرنسية أو الإنجليزية كلغة أساسية ظناً منهم أن في ذلك تحررهم من التخلف !! خاصة مع تقدم بعض الدول الإسلامية الغير عربية مثل ماليزيا و تركيا .

    و حيث أن هناك الكثير الغير ناطقين بالعربية في الشرق الأوسط فإننا نواجه خطر تفكك الوطن العربي و فقدانه هويته إن ذهبت كل مجموعة إلى لغة أخرى و تناست أو نسيت اللغة العربية (مثل الأكراد في العراق و سوريا و مثل تركيا و مثل إسرائيل و مثل النوبيين في جنوب مصر و مثل الأمازيغ في دول المغرب العربي ).


  2. الشرق أوسطية هي محاولة الإتفاق بناء على التقارب الجغرافي بين الدول و قد رأينا بعض التجارب على إستحياء بين بعض الدول و إن لم تحقق نجاحاً قوياً مثل دول مجلس التعاون الخليجي (و كلهم من أصل عربي) و فتح الحدود السياسية بينهم مثل عمان و الإمارات و مثل مشروع العملة الموحدة بينهم و لكنهم كذلك لم يستطيعوا إدارة الإختلاف بينهم بما فيه المصلحة المشتركة مما سبب في بعض مشاكل بين الدول مثل مشكلة الحدود و العملة بين الإمارات و السعودية . و كذلك التقارب الشعبي و الثقافي بين دول المغرب العربي تونس و الجزائر و المغرب (و كلهم من أصل بربري) و إن كان لم يتخذ شكل رسمي بين الحكومتين.

    إن التقارب الجغرافي (بجانب الثقافة المشتركة سواء بربر أو عرب أو شوام أو وادي النيل) كان أكثر فاعلية لإتفاق الدول من التقارب اللغوي و إن كان هذا الإتفاق ليس من القوة للصمود في وجه المشاكل المحتملة ضد هذا الإتفاق (بغض النظر إن كانت مشاكل طبيعية أو مؤامرات خارجية لإفساد الوحدة و الإتفاق و لإضعاف القوة المشتركة).


  3. الإتفاق و الإتحاد الديني لم يثبت نجاحاً يذكر حيث كانت أسباب الإختلاف فيه أكثر من أسباب الإتفاق كنتيجة لتسطيح الفكر و غياب فقه الأولويات و غياب الوعي بمشاكل الأمة .و أسباب ذلك كثيرة و أهمها :

    • الإنفصام بين حكومات ليبرالية متحررة من الدين كمنهج حياة و يعترفون به كعبادات فقط و بين شعوب تنتمي للإسلام و تؤمن به كمنهج للحكم و أسلوب للحياة و إن كانت ليست بالنضج الكافي لتفعيل هذا الإيمان في واقع الحياة المعاصرة.

    • إرتفاع نعرة و صوت الوطنية و القومية القائمة على الدولة على حساب الإنتماء الديني بإعتبارهما شيئين متعارضين فإما أن تكون الدولة جزءاً من دولة الإسلام العالمية مثل أيام الخلافة (نظرة أغلب السياسيين الإسلاميين) أو تكون الدولة متحررة من الإسلام كدستور أو منهج مثل الدول الغربية (أغلب الليبراليين). و أشهر أمثلة الوطنية مع تحييد الدين هي جعل هوية مصر فرعونية و هوية المغرب أمازيغية بدلاً من الإسلام .

    • الصراع القائم بين التيار الديني و الحكومات و الأحزاب الليبرالية مما يستنزف قوى الدولة الداخلية في صراع جدلي لا يحقق شيئ لأي طرف و أشهرهم (إخوان مصر في مواجهة الحكومة) و (السلفيون بالكويت في مواجهة الليبراليين) مما خلق في كل دولة فئتين متحاربتين أحدهما بإسم الدين و الأخرى بإسم الحرية و بجانبهم الكثير من الناس التائهة و الممزقة بين هؤلاء و هؤلاء و لا أعلم دولة خرجت من هذه المعضلة غير تركيا بنموذج الإسلام الوطني (بإعتبار نجاح تركيا هو فائدة للإسلام بدلاً من إعتبار نجاح المسلمين تفوق لتركيا).

    • الطائفية و المذهبية و تكفير كل طرف للأخر و محاولات الإجبار و الإستقطاب من كل طرف للطرف الأخر خاصة السنة و الشيعة إما بالإعلام أو بالسلاح أو بالضغط السياسي ... إلخ.

    • الضعف الإيماني و الديني للشعوب الإسلامية بوجه عام يتبعه تفريط و إهمال في فروض الدين (من عبادة و عمل و علم على السواء) و إستهتار بالحدود و المحرمات ، أو هو إهمال قول الرسول صلى الله عليه و سلم " ليس الإيمان بالتمني ، و لكن ما وقر في القلب و صدقه العمل ".

    و نظراً لتخلف أغلب سكان المنطقة العربية فهم لا يقبلون ثقافة الإختلاف فكل منهم يرى دينه و مذهبه و فكره الحق و من عداه مخطئ أو كافر أو ضال و يبدأ في محاولة هداية الفئات الأخرى أو فرض دينه عليهم و لا يلتفت لتنمية نفسه علمياً أو إقتصادياً أو غيره. و لو لا حظنا عدد الطوائف و الأديان في المنطقة سنجد المذهب السني (الأغلب) ، و الشيعة في لبنان و العراق و اليمن و النصارى في لبنان و مصر و اليهود في إسرائيل و المغرب.

    ملحوظة: أغلب المسلمين لا يعيشون في الشرق الأوسط حيث أن عدد المسلمين الشرق أوسطيين (العرب) حوالي 290 مليون فقط ناطقين بالعربية من حوالي 1200 مليون في أنحاء العالم ناطقين بلغات مختلفة (أندونيسيا و باكستان و الهند) .

و إن كانت هذه هي محاورالإتفاق (أو الإختلاف) بين دولنا الإسلامية أو العربية أو الشرق أوسطية فإنه من الممكن الإتحاد على أساس المصلحة المشتركة بين الدول مثل الإتحاد الأوروبي الذي تجاوزت خلافات الدين و اللغة من أجل المصلحة المشتركة و لكن هذا يستوجب نضجاً فكرياً و سياسياً لجميع أطراف الإتحاد و لا أظن أننا نملك هذا النضج حالياً و لا في المستقبل القريب.

و إن كان لي رأي فهو أن نجعل الإتحادات العربية قائمة على التوزيع الجغرافي كخطوة مبدأية قد تتلوها خطوات أخرى فتصبح دولة وادي النيل و دولة المغرب العربي و دولة الشام و دولة الخليج . قد يكون رأياً ساذجاً أو سطحياً و يفتقر للخبرة و لكنه مجرد رأي.


أحمد حسني
Qasaqis.blogspot.com

1 comment:

يا مراكبي said...

حسنا .. قد تكون الزيارة متأخرة بعض الشيء لكن عذرا لإنشغالي الشديد

الموضوع بالطبع ليس بسيطا أبدا .. فهو ذو شقين .. أولهما هو أن الوحدة بين أي طرفين لا تتحقق إلا بوجود المصالح المشتركة من هذا الإتحاد .. وأي كلام يأتي بعد ذلك عن اللغة والقومية والدين هو كلام ليس بواقعي

المصالح والمصالح فقط هي ما تدفع أي بلدين للإتحاد .. وهو ما يجب أن تدرسه جيدا كل دولة على حده لتقرر في أي طريق تسير ومع أي دولة أخرى تتحالف

أما الشق الثاني فهو العمالة .. فقد تجد أن النقطة السابقة واضحة وصريحة ولا تحتاج إلى بحث .. لكن الإتحاد دائما يكون في عكس مصالح الغرب وأمريكا ومن ورائهم إسرائيل .. وهو ما سيجعلهم دائما في حالة ضغط دائمة على رؤسائنا لتفادي أي إتحاد محتمل .. وإن أبى فسيأتون بغيره

ليس الأمر مغلقا هكذا على إطلاقه .. فصلاح الرئيس لأي دولة هو أول خطوة تجعله أبعد ما يكون عميلا للغرب وبالتالي فإنه سيفكر في إتحاد مع آخرين يحقق به مصالح كبيره لبلده وللآخرين .. وصلاح الحاكم لن يكون إلا بيقظة شعب تنتخبه رغما عن أنف التزوير والمزورين